إن الناظرَ إلى تاريخ الإسلام منذ بدأ كدولة حتى سقوط الخلافة في القرن الماضي ليستطيع أن يستخلص العوامل المشتركة التي أدت إلى انحدار كل دولة، وأن يُميز الموقف الثابت لأعداء الإسلام إزاء ضعف سلاطينه وخلفائه، وطرقهم، متشابهة الأساليب ومتحدة الأيديولوجية، إلى إسقاطه، فهل يُوجد تشابه بين اليوم والأمس؟ وهل يستطيع القارئ أن يُطبِّق عوامل الضعف ومواقف الأعداء وسنن التاريخ على حال الإسلام اليوم؟ لقد مرَّ التاريخ الإسلامي منذ عصر الرسالة وحتى سقوط الدولة العثمانية بمراحل عديدة تتراوح بين القوة والضعف، تصعد إلى القمة ثم تهبط بعد أن كانت في قمة صعودها، وقد تناولنا في الجزء الأول فترة الخلافة الراشدة والدولة الأموية ودولة الإسلام في الأندلس، وفي هذا الجزء نستعرض أهم أحداث الدولة العثمانية ودولة المماليك والدولة الفاطمية.
عندما نجح (عبيد الله الداعي) في نشر الدعوة الإسماعيلية في الجهة الغربية لـ (القيروان) عام 291هـ، أرسل إلى (عبيد الله المهدي) يدعوه للحضور إلى (إفريقية) لتسلُّم الأمر، وبُويع له بالخلافة عام 297هـ، فقام بأعمالٍ وطدت حكمه: كالتخلص من (عبد الله الداعي) عندما أدرك منه بوادر منافسة، وبناء عاصمة جديدة بالقرب من (تونس) للابتعاد عن مراكز المقاومة السنّية، وإرسال العُمال ممن يثق بهم إلى الولايات ليحكموا باسمه، وإخماد الثورات السنية التي قامت ضده، لكنَّ سياستَه التوسُّعية في المغرب الأقصى كانت هزيلة النتائج؛ فاضطُر لقبول تمركز الخليفة الأموي في المغرب الأقصى، وبقاء (محمد بن خزر الزناتي) في (المغرب) الأوسط، وتُوفي (المهدي) في 322هـ.
وتولى الحكم ابنُه (أبو القاسم محمد القائم)، والذي انهمك في بداية حكمِه في القضاء على ثورات المُعارضين خاصةً في (المغرب الأقصى)، وطمع في ضم (مصر) للخلافة الفاطمية لكنَّه فشل، فحاول التَّفاهُم مع (محمد بن طغج الإخشيد) مؤسس الدولة الإخشيدية في (مصر)، فتفاهما حتى ألغى (الإخشيد) الخطبة للعباسيين وأقامها للفاطميين، لكنَّه بعد فترة خاف من هجوم العباسيين فأعاد الخطبة لهم، وتُوفي القائم في عام 334هـ.
جاء بعد (القائم) ابنُه (أبو طاهر إسماعيل المنصور)، واشتهر بالشجاعة والفصاحة وقوة التأثير، وقد أسس عاصمةً جديدةً قربَ (القيروان) وسمَّاها "المنصورية"، وأعاد تنظيم شئون الدولة بعد أن أنهكتها الثورات الخارجية، فأنشأ أسطولًا كبيرا، وتُوفي عام 341هـ. وخلفَه ابنُه (المُعزُّ لدين الله)، والذي عمل على بسط النفوذ الفاطمي في (المغرب الأقصى)، وأخضع (مصر) للخلافة الفاطمية بعدَ أن كلَّف (جوهر الصقلِّي) بذلك، فحكمها (جوهر) أربع سنوات بسط سلطانه خلالها على (دمشق) و (الرملة)، واعترف الحمدانيون في (دمشق) بالدولة الفاطمية، وأسس مدينة (القاهرة)، وبنى الجامع الأزهر، ونشر المذهب الإسماعيلي بين المصريين، ثم كتب إلى (المُعز) للحضور وتولِّي شئون (مصر)، فانتقل إليها وبدأت بذلك المرحلة الثانية من الحكم الفاطمي.
تُعدّ المرحلة الثانية مرحلة القوة والتوسع، وقد اتخذ (المعز) مدينة (القاهرة) عاصمةً للخلافة، وبدأ في استقطاب أهل الذمة وتوليتهم مناصب الدولة بعدما أدرك أن مسلمي (مصر) ليسوا أرضًا خصبة لزرع المذهب الإسماعيلي، وتمكن من إخضاع بلاد الحجاز لسلطان الفاطميين، ووضع نظام البحرية الفاطمية في (مصر)، وتُوفي عام 365هـ.
وخلفه ابنه (أبو منصور العزيز) وهو في الثانية والعشرين من عمره، وكان عهده عهد يسر ورخاء وإرساء لدعائم الدولة الفاطمية؛ حيث اعتنى بنشر المنهج الإسماعيلي في (مصر)، فأمر القضاة بإصدار أحكامِهم وفقَه، وعيَّن الشيعة في المناصب المهمة، وحوَّل الأزهر إلى جامعة لتدريس المذهب الإسماعيلي، وأضاف عبارة "حيَّ على خير العمل" للأذان، وسنَّ الاحتفال بعاشوراء وألغى صلاة التراويح، وانحاز لأهل الذمة تأثُّرًا بزوجته النصرانية، فقلدهم المناصب العليا بالدولة حتى تحكموا في معظم أعمالها، فترتب على ذلك أن ضايقوا المُسلمين، ونجح في القضاء على خطر القرامطة في (الشام)، وتُوفي عام 382هـ.
خلفَهُ ابنُه (أبو علي المنصور) ولقبُه (الحاكم بأمر الله)، وتولى الحكم وهو ابنُ إحدى عشرة سنة وبضعة أشهر، فتولى الوصاية عليه أستاذه (برجوان) الخادم الصقلبي الذي اتُّهم بازدواج الشخصية، واستقل بأمور الدولة دون (الحاكم) حتى أثارَه عليه، فلمَّا بلغَ الشباب دبَّرَ مقتل (برجوان)، وتخلص من جميع أعدائه ومنافسيه وانفرد بالسلطة، ونشر الدعوة الفاطمية في أوسع رقعة ممكنة، وحقق الازدهار الاقتصادي، وانتهج أسلوب الإرهاب والقتل لتخويف الناس لئلا يُفكر أحد في الخروج على حكمه، وتمكن من إخضاع (الموصل) و (الأنبار) و (الكوفة) و (المدائن) للدولة الفاطمية، وكانت نهايتُه غامضة كحياتِه، إذ اختفى في ليلة 27 شوال عام 411هـ ولم يُعثر له على أثر.
وتولى الخلافة بعده ابنه (أبو الحسن الظَّاهر)، الذي عمل على تحسين العلاقات مع البيزنطيين لأجل التفرغ لمواجهة العباسيين والسلاجقة، وتوفي عام 427هـ. وجاء بعدَه ابنُه (المُستنصر بالله)، ولم يكن تجاوز السابعة من عمره، فتولت أُمه الوصاية عليه وحكمت باسمه، ويمكن تقسيم عهده إلى مرحلتين: الأولى بين عامي 427-450هـ وتمتاز بعظمة الدولة والاستقرار، والثانية من 450-487هـ وتمتاز بتدخل العسكريين في الشئون العامة وحدوث الأزمات الإدارية.
ومن أبرز الأحداث في عهده تعرض (مصر) لأزمة اقتصادية شديدة عُرفت بـِِِِِِ "الشدة المُستنصرية"؛ حيث انخفض منسوب النيل بين عامَي 457-464هـ، فانتشرت المجاعات والأوبئة وقامت الحروب الأهلية، ولم تخرج البلاد من هذه الحالة إلا على يد (بدر الجمالي) أمير (عكا) الذي استعان به (المُستنصر) لحل الأزمة، وتُوفي (المُستنصر) سنة 487هـ، لتنتهي بذلك مرحلة القوة والتوسع، وتبدأ مرحلة الضعف والزوال.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان